اتخذ الإسلام
خطوات فريدة لحماية الصحة والبيئة وسلامة الحياة، يمكن تلخيص أبرزها بالآتي:
1) التوعية
والتثقيف وتربية الإنسان على العناية بالصحة والطبيعة، وحماية الاحياء والحياة على
هذه الأرض، منطلقاً من مبدأ عقيدي هو أن ما صنعته يد الخالق سبحانه يتصف بالكمال
والإتقان والصلاح، ولا شيء خلق عبثاً في هذا الوجود، وقد صوّر القرآن ذلك بقوله:
(صُنع الله الذي
أتقنَ كُلَّ شيء) (النمل/ 88)
وإن تصرف الإنسان
الأناني أو المنطلق من الجهل والعدوانية يدفعه الى تخريب البيئة وإفساد المحيط
الطبيعي، لذلك يُحمّل القرآن الكريم الإنسان مسؤولية إفساد البيئة بقوله: (ظهر
الفسادُ في البرّ والبحرِ بما كسبت أيدي الناس).
ولذلك خاطب
الإنسان مدافعاً عن البيئة وسلامة الحياة بقوله:
(ولا تُفسدوا في
الأرض بعد إصلاحها).
(وإذا تولّى سعى
في الأرض ليُفسدَ فيها ويُهلك الحرثَ والنسلَ). (البقرة/205)
2) الحث على الطهارة: ولعل ابرز الإجراءات
الوقائية لحفظ البيئة البشرية هي عناية الإسلام بتربية الإنسان على الطهارة
والنظافة والدعوة الى تنظيف الجسد والثياب والأواني والأثاث وقد جاء ذلك البيان
القرآني في قوله تعالى:
(وثيابك فطهر)
(المائدة/4)
(وان كنتم جنباً
فاطّهروا) (المائدة/6)
وبذا جعل الطهارة
وحماية البيئة من التلوث نعمة يجب الشكر عليها لله سبحانه وبها تتم النعم، ومنه
نفهم أن النعم نعمة الصحة والسعادة والمال.. الخ، ناقصة من غير طهارة البيئة
وحمايتها من التلوث والفساد ذلك لأنها تبقى مهددة بالتخريب والزوال.
ويتسامى الفكر
الإسلامي والفهم الحضاري فيه عندما يقرر أن الله خالق الوجود يحب _أي يريد للعباد
_ الحياة الطبيعية والطاهرة التي لا تلويث فيها ولا قذارة، فيعبر الرسول الهادي
(ص) عن هذا المنهج بقوله: "إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة".
3) النهي عن تلويث البيئة: وكما يحث الإسلام على
الطهارة، فإنه ينهى عن تلويث البيئة وإفسادها، من هذه المناهي ما جاء عن الرسول
(ص) من نهيه عن البصاق على الأرض لما له من مضارّ صحية ومردودات نفسية تخالف الذوق
وتثير الاشمئزاز.
وكما ينهى الرسول
(ص) عن البصاق، فإنّه ينهى عن التغوّط تحت الاشجار المثمرة، والتبوّل في المياه
الراكدة والجارية وعلى الطرقات، حمايةً للبيئة وحفظاً للطهارة والصحة.
ونستطيع أن
نُشخّص أهمية هذه الوصايا في حماية البيئة، إذا عرفنا خطر فضلات الإنسان على الصحة
وتلوث البيئة، لا سيما المياه التي تساعد على نمو الجراثيم وانتشارها عن طريق
الشرب والغسل، والخضروات التي تُسقى بها.
روي عن الإمام
الصادق (ع) أنّه قال: "نهى رسول الله (ص) أن يتغوّط الرجل على شفير بئر ماء
يُستعذبُ منها، أو نهر يُستعذب، وتحت شجرة فيها ثمرتها".
روى ايضا عن
النبي (ص) في حديث المناهي قال: "ونهى أن يبول أحد في الماء الراكد..".
4_ النهي عن
النجاسات والتطهر منها: من قراءتنا لفلسفة التشريع الإسلامي ندرك اهتمام هذا
التشريع بحماية الإنسان والحفاظ على صحته وحياته المدنية.
ولقد لخّص
الفقهاء فلسفة التشريع وعللوه بقاعدة موجزة هي: (جلب المصالح ودرء المفاسد).
والمصلحة
والمفسدة هما ملاك الحكم وعلة تشريعه، وعند تطبيق هذا المبدأ التشريعي على ما
ألزمت به الشريعة الإسلامية من حكمها بنجاسة بعض الأعيان، وحرمة أكلها وبيعها
ووجوب التطهر منها لأداء الصلاة، عند تطبيق هذا المبدأ تدرك قيمة التشريع الإسلامي
وحرصه على درء المفاسد (الأضرار) الصحية التي أثبتتها البحوث والدراسات العلمية،
لذا حكمت الشريعة الإسلامية بنجاسة الاعيان الآتية والزمت بوجوب التطهر منها
للصلاة والطواف حول الكعبة (البدن والملابس)، وهذه الأعيان هي:
1_ البول
والغائط من الإنسان، وكذا بول الحيوان المُحرّم وغائطه ايضاُ.
2_ الميتة من
الإنسان والحيوان الذي له شريان نازف.
3_ المني من
الإنسان والحيوان الذي له شريان نازف.
4_ الدم من
الإنسان والحيوان الذي له شريان نازف.
5_ الخمر.
6_ الكلب
والخنزير البريان.
ولا يخفى أنّ
مشكلة الإنسان سيما في المدن الكبرى، الآن هي مشكلة التخلص من فضلات الإنسان
وأخطار التلويث بفضلات مجازر الحيوانات وبفضلات الإنسان والحيوانات الميتة، ذلك
لأنّها من أوسع مصادر التلويث بالجراثيم والامراض الجرثومية، فإنّ فضلات الإنسان
والميتة، هي أفضل وسط لعيش الميكروب المرضي الذي يصيب الإنسان.
وكما حدد تلك
النجاسات والقاذورات ونهى عن التلوث بها أمر بالتطهر منها، وجاءت هذه الدعوة مكرسة
في قوله تعالى:
(ما يُريدُ
اللهُ ليجعلَ عليكم من حرجٍ ولكن يُريد ليطهّركُم وليتُمّ نعمته عليكم لعلّكم
تشكرون). (المائدة/ 6)
والمتأمل في
قوانين التطهير هذه يتضح له ان منهاج الطهارة في الإسلام قد شمل أوسع تنظيم
للطهارة والصحة وحماية البيئة من القاذورات والنجاسات، واعتبر الماء والتراب
والشمس من المطهرات الطبيعية التي تزال بها النجاسات، كفضلات الإنسان، والميتة،
والدم، والمني، وأسآر بعض الحيوانات، كما اعتبر الاستحالة من نوع الى نوع آخر من
المطهرات أيضاً، كاستحالة الميتة رماداً بعد احراقها.
ثبّت التشريع
الإسلامي مبدأ (لا ضرر ولا ضرار).
الخاتمة :
وبهذه القاعدة
التشريعية الكبرى التي أعطاها صلاحية تجميد أي تشريع يوجب أو يجيز عمل شيء اذا نتج
عنه ضرر، وينطبق هذا التشريع بكون الإسلام قد حرّم كل ما من شأنه أن يضرّ بالبيئة
تحريماً تشريعياً، ويتحمل الخبراء الذين اعتبر التشريع الإسلامي تشخيصاتهم العلمية
الأمينة حجة يجب العمل بها، مسؤولية تحديد الضار من العناصر والمواد والاستخدامات.
وعندئذٍ تتحمل الدولة مسؤولية منع الاستخدامات الضارة واستعمال صلاحياتها باستعمال
الوسائل الكفيلة بمنع الضرر. وإن مبدأ (وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا
على الإثم والعدوان)، أساس عريض لحماية البيئة وحفظ نظام الطبيعة، فالآية تنهى عن
العدوان على الطبيعة والحياة، وتدعو إلى التعاون على الخير والإصلاح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق